ما زالت احلمُ بان يوما ما سيكون لي فيه احداً ما ممن اعرفهم يقرؤون بعض ما أنشره في الصحف والأنترنيت، ليتحقق حلمي بدعوة ما لمؤتمر ثقافي ما، في بلدي طبعا فانا عشتُ ايام تلك معروفاً وُمعَرَفاً باني احضر المهرجانات والمؤتمرات الثقافية معززاً، مكرماً، صائلاً، جائلاً في الأرقة بدون دعوة، لأني كنت بحق اعتبر نفسي مدعوا، ولا انافس احداً على مكان ليس لي، على الرغم من اني اعرف الأسماء اكثر من الوجوه، وهناك كنتُ ارى، وجوهاً ثقافية بحق تستحق بمثلما استحققت، وجوهاً عراقية كثيرة لا تصلها (ولن تصلها) اية دعوة، لكنها حاضرة رغم التعتيم تضيء بجدلها، ومفاتن آفاقها الصحف العالمية قبل المحلية، فكنت ارى، وكنت التفُّ اليها بمثلما كانت تفعل، ونجيد التعارف والتعريف، وغالبا ما كنا نرى وجوهاً ليست من الثقافة بشئ، تحضر، وتحاضر في ما لا تعرف. واليوم عندما تأتي اليَّ الدعوة الحقة، الحلم، بدون تجاهل، بقصد، فأنني سوف ارى في زماننا الجديد - هذا- لا لوجود لعابر سبيل ان يكون مدعوا لمهرجان يشترك فيه غير المثقفين، و لامجال لاي طارئ ان يحشر اسمه بين القوائم، بمثلما كان يحدث في ذلك الزمان العتيق الذي حتما سيولي بلا عودة، هو و مثقفيه العجاب.. عندما كان الشاعر الذي لم يكتب قصيدة واحدة تستحق التوقف يقود مؤتمرا للروائيين، ويكون اول المدعويين في بلد مضياف، وهو لا يعرف اسماء خمس من الروايات العربية المهمة، كونه صاحب فضل سابق ويرد اليه الفضل بالمثل، نظيره قد كان دعاه يومها الى مهرجان ما في بلده، او كان يريده ان يكون محمّلا بدين مُسَبَّق، ليضمن صاحبه رد المثل بالمثل، ويكون ذلك المدعو مهماً باهمية القائمة المطعمة باسماء كان لها وزناً، فأغلب القوائم مطعمة بالمبدعين الحققيقين، او ببعض من كانت فاعلة في زمانها، ويكون للمدعو قيمة من يجلس اليه يحدثهُ عما حدث في المطار ولا حديث يخصّ الابداع، إلا تغزلاً بالفندق الفلاني الذي عقد فيه المؤتمر الفلاني، و تمرّ العشرة دقائق في القهقة العالية والابتسامات العريضة، الخالية من الرصيد. ليعود سريعاً الى غرفته، ويعلق مكالماته الهاتفية حتى لا يحرجه شاباً عراقيا يعرف في الرواية العربية اكثر مما يعرف عن المطارات التي لم يصلها، فيلبد الضيف بعيدا عن الأضواء حتى تجئ السُفرة العراقية العامرة بما لذ وطاب. حتى تعبر ايام المهرجان كلها، ويأتي المهرجان او المؤتمر الذي يليه، محملا بالغنائم لكل قادم، والمثقف العراقي، يحمّل الماً ممضاً في التجاهل، والنسيان، واليوم حتما بمثل تلك الدعوة، سأكون، يومها احمل ورقتي لاتنافس بها مع اقراني في الفكر والأعلام، وسيكون ما اطرحه مسموعاً، لكونه بلغة عربية سليمة واضحة المخارج والمقاصد، ولن يتحسس منها احدا ما، كوني لا اخصّ بطروحاتي شخصا معينا، وانما اشخص حالة كنا نعانيها، وتحلم الثقافة العراقية بالتخلص منها، فلا يشكو منها العشرات من امثالي، وسوف تكون الفكرة كالماء الزلال تصل الى متلقيها بلا غمز او لمز، وسوف يكون ما قدمت في ورقتي الثقافية بداية لقول آخر يؤججه تلاقح مثقفاً آخراً، وتلتقي الفكرة بالفكرة لأجل ان تكتمل، ويصبح بعدها مفتاحا لبحث جديد. وهكذا تكون الحالة ثقافية صرف، حيث لا تلكؤ في اسطرها، ولا يقتحمها ممن لا يعرف في اولياتها. نحلم ان تكون الثقافة اولا بفرز المثقف من غيره، والاحتكام الى ما نتج منه، وليس ما سوف ينتج في الاحلام، والاوهام. فثمة اسماء تدعي نتاجا عظيما.. بالتالي يكون فيه رأيا آخراً، والثقافة ابداً للمثقفين المجتهدين.
الاربعاء، 24 نوفمبر، 2004