زمنٌ ما كان لي

زمنٌ ما.. كان لي



كنت قبل اليوم في زمن آخر غير هذا الذي تشاركوني فيه هذه الحكاية، وسأسميه بما يروق لي أن اسميه، [كونه زمني]  .. زمن كانت حكاياته الزهر في عطر الورد.. زمن لم يكن إلا وجعا، فللحكاية التي نويت أن ارويها عبر اسطر مزقها القلق، طعم زهر العلقم. إذ كانت من المخيلة المزدحمة التي تشبه البلدان المختلقة في ذاكرة المجنون. بقيتُ قلقا أتابع صوت المذيعة الرخيم من الإذاعة التي تداخلت معها إذاعة أخرى لم افهم لغتها، حتى أعدمتها، ولم اعد اسمع من ذلك الصوت البديع، شيئاً. وبقي صوت المذيع ينطق [بلغة الهولولو ] مطبلا عن حرب متوقعة. هكذا انغمر في سرد الحكاية من جهل سيكون في لحظة اكتشاف مني، لحظة فضول عندكم. أعيش بضع الدقائق القادمة متنفسا حرية أمل أوشك أن يتحقق، ومستمتعا في دفق حكاية قديمة كعربة تسابق الريح، حيث لا يسبق الريح إلا زمن رخوّ كهذا الذي كان مفترضا بيننا.. يسابق زمن الحكاية، وينطلق إلى أبعاد لم اكن قد خططت لها. كابوس رعب يلفني بجناحين سوداوين ناعقا نشيده الوطني.. ليقوض نبوءتي. أقولُ مجنونا، ولست بمجنون.. [لان ما سيحكى لن يكون مقبولا في صفحات تالية] .. كانت الحكاية التي نويت أن احكيها، تطير فوق صوت الديك الصباحي الذي كنت اشتاق إليه.. لاني ما رضيت لها أن تأكل معي الخبز الأسود المستورد من وسخ الحدائق، خصيصا لحصة التموين الشعبي.. كنت اعمل ليلا ونهارا من السابعة صباحا وحتى العاشرة ليلا.. من اجل حفنة طحين تصلح للاستعمال البشري.. وكانت الإذاعات العالمية تغض النظر عما يبتلع قسراً، لاجل توفير حفنة من الباونات البريطانية.. لاجل أن تدق ساعة (بكبن) في الوقت المحدد [والله تمنيت أن يأكلني الذئب، ولا أن تلوكني كل تلك الخيانات].. حكاية صدرها شاهق يضرب كطبول فرح غامق، طراوتها بضّة وشهية، منسابة كما حمامة بريئة بين كفي. {ترد أقواس مختلفة الأشكال.. أوجدت لغاية في نفس يعقوب}.. فكان يلبسني الخوف الذي لا يجعلني أحافظ على سرية وجوده، وانهل منه كل ما كنت أراه بديلا عن السوء الذي كان يلاحقني {من خطاياكم}. بقيّ يكرّ عليّ ليل، وآخر يفرُّ مني، كأني مفجوج بينهما، عيناي يقظتان إلى حد الأرق.. بقيتُ في يوم ما انظر إلى زميل لي في الحرب السالفة، لا أستطيع نسيان الثقب الصغير الذي أحدثته الرصاصة الناعمة بصدر عازف الكمان في ليالي موحشة، لا يحتملها حتى الذئب.. خذلتنا تلك الفتحة الصغيرة التي كانت بحجم الدرهم، وقد خرجت من الظهر بحجم برميل النفط.. خانتنا بعده الليالي الألف، وأوقفت ما كنا نحب سماعه من سمفونيات، رغم القصف. ذلك صديقي في الحادية و العشرين من ربيعه، أما الآخر، أيضا صديقي، فكان في الثانية والعشرين، ومن بعد نزول قذيفة بيننا، بقي رأسه بين يدي، بلا جثة، يقول لي سلم لي على (ليلى).. عيناه بقيتا شاخصتين بعيني، وابتسامة حرص عليها بكل ما بقي عنده من دم.. حملت الرأس كأني احمل دمية، وآخر أيضا، من جملة أصدقاء أخر، كان في الثالثة والعشرين يجر وراءه أمعاؤه ويركض كحصان أوشك أن يبلغ مرحلة السبق الأخيرة.. كانوا متسلسلين إلى المليون، كل منهم بعمر و كل منهم بمشهد مريع، مريب، مهيب، لن تقدر على تصويره مدينة (هوليود) الجبارة.. كلهم يحملون القصة إلى غير ما تنبغي عليه أن تكون عليه القصة. قصة حرب أولى بنظرات خرزة من محيط موبوء جلت قدرة على عزلي وحصاري عما يجعلني أليفا- اجتماعياً- قادراً على المكث بين أصدقاء سأختارهم، لكني بقيت وحيدا دون رفقة مستسلما للحذر الحدي وللعتمة في انتظار صباح قد لا يأتي.. تغطني قطرات ماء فصدها جبيني المتعب بعد أن {هللنا بعد وجد} فاض كالسيل، وجرف قسماتي إلى شكل تبين منه النزف، والتجهم. بقيتُ وحدي انقلب على نقائض نفسي، أتلظى في حرقة جراح عابثة بلا رأفة، كالقتعة  تأكل ركائزي حتى أصبحت آيلا للسقوط.. كبرج مهدود {11 أيلول}.. وحدي أقاوم اقدم جدران هذه اللحظات الحالكة، وأنا بلا قوة تقوض معنى الفجيعة ومعنى البقاء حياً نقيا دون عقم الابتسامة. [يأتي من التلفاز.. ناعقاً أغنية هزيمتي]. قلت لها ولم تصدقني: لست مسناً إلى الحد الذي يدل إليه شكلي..

لحيتي التي طالها وعاثها الشيب خرابا؛ خرائطاً للقلق المتواصل.. حرمان في حرمان. أحرر رأسي من ذل المقاصد، ومن تفاحة حواء.. بعد أن أثقلوني بأفكار جوفاء.. جعلتني أتقدم في العمر دون أي إنجاز، والهثُّ خلف وهم لا يشترونه بذرة تراب. (من السهل أن نجمع المئات من تعريفات (الشكل)، و (البنية) من كتابات النقاد والإستطيقيين المعاصرين لإظهار ما بينها من تناقض يبلغ من شدته حدا يجعل تركها افضل ). (أحاول أن اغلي دمي العتيق، وافجر ذلي ولاهم لي سوء كسر حصاري،[واستباحة عدوى الوشى من جيلي].. ابتكر زمناً لمعشوقتي كي لا أرغى في اللهو الغريب.. أقول ما أقول بدراية، واحلم ما احلم دون وشاية).. أرنو إلى المذياع الذي سكت كقطعة خانعة.. بعد أن قذفته بمنفضة السجائر. وأنا أغمغم كوحش يائس.. تريدني أيها اللعين التخلي عن عرش الحكاية. أورث نفسي العزيمة.. من أجل أن أقاوم موتاً كان كالليل يغرز أصابعه في عيوننا.. بوقاحة واستهتار، فلا صرخة تصل ولا منقذ سيأتي..

ولم تصدقني: أعيد ترتيب الحكاية، مثلما يحكيها الحاكي المحترف، بتسلسل هرمي يعتمد التصاعد، والزمن الواحد.. بإيقاع متواتر، بنغمة واحدة.. اغلي دمي العتيق [بلغة الهولولو]، وافجر ذلي، ولاهم لي سوى كسر الحصار من القالب الذي خبره الرقيب، و عدوى الوشى من جيلي.. ابتكر زمناً لمعشوقتي كي لا أرغي في اللهو الغريب.. أقول ما أقول بدراية، واحلم ما احلم دون وشاية.. أصارع تطلعاً بقي مكبوتاً {زمنٌ مقروءٌ}.

أوقدت عزيمتي في مبخرة وسرت كالدرويش باتجاه القمر. قلت لا احبك تسمعين دون (فيروز)، ولا احبك دون نبوءة، فأردفت مسبلة العين: أوقدت حيرتي.. أنزلتني فردوس جحيمك .. فصرت عازمة أن يكون حبك يقودني سرباً من طيور مهاجرة.

- أترى تسمح لي أمريكا بحمل بقيتي واكتبها بعد حرب الخليج الثالثة؟..

هكذا بلا موعد سابق كان أول لقائنا في حافلة نقل الركاب ، يومها لحظت ذلك التشوه الخلقي في رؤوس أصابعها، ولم أعره أهمية، فانشغلت بما قد أوقعني في فخاخ اللذة.. سكنتُ صمتي وفكرت قائلاً:

- هل تقدرين فكاكي من محنتي.. كي اشحذ همتي.. و أنام في نجمة خلف بحر..

فرجت شفتها السفل كنصف طماطم ناضج، قائلة، عيناي الدهشة؛ دخانك أتعب يأسي.. بحبك قد أفلت الأمل. كان الصمت يمرغني بعينين تشرقان علي بأمل من صورة اقتطعتها من مجلة قديمة فيها برج مهدود. صدرها شاهق يضرب كطبول فرح غامق، وهي حمامة بريئة بين كفي.

- وحدك تشيني سجيناً هارباً

{مرغني صمت عينين شرقتا عليّ بأمل كاذب يا صاح}.

علام الفضيحة، وأنت أولهم أيها البترول، أتبيع أسرارك التي ما عادت تعتبرها أسراراً؟ فأنا كنت أحاول، ولم أزل أن اغتسل في النهر الذي لا ضفة له، و أحاول استباحة المفردة المائية كي افتحها قاتلاً عطشي القديم [بلغة الهولولو]. يقول المذياع السقيم:- أتعرف يا صاح إن الوطن هو شكلا من أشكال الحصار التكنولوجي، والبيت هو آخر ما ابتكره علماء الـ… كسجن دائم تضع فيه أنفاسك الأخيرة، و…

امرر شفتي على مسحة ماء.. المزيد من القوات الهومبورغرية تدخل إلى كيس الطحين.. ذلك التطبيل المزعوم.. ربما لن يدل على ما أرادوا أن التلويح به.. اعرف BUSH))  و أعوانه التقليديين ليسوا إلا جملا باهته، للحشو الأيدلوجي، أصفارا على الجهة التي لا تقرأ.. اقصد دمى فارغة حتى من القش.. {يمنعني العذل، الجأ إلى الحلم}.. كنت دائماً أركض باتجاه القمر الآفل، انتظار بناء مدناً هدها القصف اللعين .. واصل المذياع خطابه الإنشائي. حاذري من حلم لا يموت.. فهذا دمنا الذي فتحنا إلى مصائر الغائبين. {أراهم يتوافدون حقائق مفجعة}، غيرة امرأة فيها شدّ ينضج زمنها، كتفاحة الشهية.. أغطّ في عينيها واجد سرّاً (ينهض أحد القتلى من رخامه ليوزع قرنفل الوعي). واصل المذياع خطابه الإنشائي {إن سكتت عما تراه تستطيع نوماً هانئاً} سيركب جثته ويحمل روحه على كفّ تسكت على الذل، و تعرف الخوف. (تسكت عما تراه تكون عرضة وعيك). واصل المذياع خطابه الإنشائي: - {لكي احبك؛ أن تكوني ضوءاً كاشفاً في ليل حالك.. أن تكوني فرشاً وثيراً بعد تعب.. أن تكوني المرأة الوحيدة على سطح الأرض.. أن تكوني روحي المنشطرة في جسد آخر.. كوني ماءاً  بعد العطش، و كوني أمي لتراني عيناك جميلاً} .. كان القلب من الحجم الذي لا يفجره انفعال [رمحٌ وأيدي قوية] كانت الجبهة عريضة فأزاحت فروه الرأس [سنابكُ زحف بربري] كانت العينان مفزوعتان مما يحدث [دمٌ اغرق المكان بالفجائع] كان الفم مكمّما بألف كم [ألف جلاد وجلاد] كنت كائناً لم يتوقف الازدهار فيه..{ من حجم إلى آخر قاومت مفردتي التي لم تتسع لما أردت فقاومتني وضاقت بي نفسي} قلت لها.. قد قاومت القادمين من جهة لا اعرفها.{أغير بمفردتي على صمت الليل الصاخب بالفجيعة}.. اطوي بك خوفي مطلقاً من عينيك سهماً مشتعلاً في صدر عدوي.. شفتاك واحة، والعين بستان، والحب يموسق الطموح. طفر ماء من عيني.. سار كالدفق السيال خيار سلام.. راحت الشرطة تستنكر الناس المسالمة.. من أين لنا العمل دونكم.. تنفجر ثمرة الطماطم من شِدة شَد شفتي. (بريطانيا وراء الباب، وفي جزئيات زجاج النافذة)، مكثتُ موزعا بين جدران تزحف كلما تفوهت العزلة عن العيش المستقر، كدت أبولُ تحت أثق النخلة قبل أن تتساقط ثمراً شريفا:- احبك!.. [غراب الليل يأتي من الأقاصي.. كابوس رعب يلفني بجناحين سوداوين ناعقا ليقوض نبوءتي]... بلدان مختلقة في ذاكرة المحتال، كانت عيناها مغمضة، في انتشاء لم أفسره إلا حالة تقبل تطلب التمادي، وكأنها بقيت ناشرة ابتسامتها في أوداج قلبي، بلمعة طيبة، و بين يدي شعر رأسها المنسدل بطراوة ندية نافضة عنها ذلك البكاء المرير الذي كان ينحت في عظمي، زمان الورد كل الفضاء الضيق، يؤلمني. ابتسامتها بدأت تشق عباب الصمت القائم، بليغة جدا، كانت الشفتان اللتان تنفرجان كأمل بلا انتهاء، فأطلقت زمردا، وياسمين.. فراشات ملونة حلقت في فضاء مطلق، وبقيت أصغي لتلك الرفرفات الهادئة المحلقة بخيلاء جمال أخاذ، فسألتها عندما أحسست إنها تهيأت لجواب: - وزوجك؟ ..

زفرت كأنها عازفة قيثارة من ذهب؛ نطقت حروفها بتشديد فاعل: - يُطلقني!..

- وان لم يفعل..

سألتها، فنبرت بثقة من يدرك ادواته..

- يفعل!

فارق كبير بين ما كنت وما ألت إليه، وراحت تفتعل البكاء، خبرتي بها جعلتني أميز البكاء {أسلحة بايولوجية}.. فقلت من جديد، وأنا المتلكئ في السؤال، مضيتُ أبالغ بتصنع الهدوء.. وابدي ندما على المذياع الذي تصير اعرجاً.

- هل يقبل (حزقيال). إرجاعك لذمتي؟

مسحت بقايا دمعه كانت تسح على الياسمين البريء، فانبرت مثل فرس..

- له أولاده وزوجته؟

تنهدت، ثم واصلت تزفر:

- ستجده يفعل أي شيء من اجل أن لا يدفع فلسا واحدا..

ضائعة بين الأمواج، لا تدري أين سيستقر بها التيار البحري القوي.. قريبة مني، ولم تكن قريبة.. بعيدة، ولم تكن بعيدة، فقلت لها:

- حيرتني؟

عجبا.. عشت معي نصف قرن وما زلت تجهلني؟!

قلت لها متوجعاً: - ماذا؟..

كنت أحس بأنفاسها الساخنة تلفح وجهي، ورقبتي تهزني هزّا عنيفا، لاجل أن اسكب في عمقها ذكورتي المهراقة، فأوشكت أن تطلق إيعاز مخالبها كي تعجل بنضوج الثمر… تهتُّ بين حروب القلب، والعقل.. تبدلت دنيا بأخرى [بلغة الهولولو]، فلم تعد الأحوال كما كانت عليه... أفقدتني البيت، إذ أبقتني  كالعصفور المرتجف لا يأويه غصن أمين.

- بالقانون قد نلت مني!.

وكأنها بقيت تكشف عن ندم كان شاخصا نغل في عروقها.. عيناها الجميلتان بالدهشة، فيهما نور لم يخبو أبدا، وما كأني قد كنت هجرتها كل تلك السنين، إلا طائعا، بالثمن الغالي. أفكر في ذلك الماضي المؤرق.. صدرها الشاهق يضرب كطبول فرح غامق، وكأنها حمامة بريئة بين كفي. قالت بهمس: كم كنا مجرفان وراء ما لم نكن نريده.، فأضافت: - طمع بنا من نضنهم خيراً!

أشياء غريبة بلا معنى تحوطني، تقيدني، وتريد قرارا مني.. فكرت وفكرت، فلم اصل إلى قرار، تحركت الأرض من تحتي، وصرت غير متوازن، قلقاً، ومنغمرا ببوحها الذي أراحني، ومنجذبا بشوقي إليها - أواه- ما اجمل  ذلك الحب الذي كان.. وجدتها تغفو على كتفي ببراءة كأنها تكشف لي إنها تنام أول مرة. تصاعدت المعاني وخلفتني أصبو إلى حرية لا أريد فقدها نظرت إلى عينيها فقلت مذ ذلك اليوم:

- احبك.. وليسقط الـ..

أفردت شفتاها، فأردت أن أذق ما حرمت منه طوال تلك العشرين الماضيات، كيوم واحد. لكني في غمر ذلك الانفجار تيقنت باني أتذوق شهدا من طعم آخر، قد أفسدته الأيام. لكني خيالاً تذوقت ما أتذكره جيدا، وصارت كلها حاضرة حتى تلك الليلة الآثمة، قالت :- احبك ..

كأني كنت لم اسمعها من قبل، مكملا ما كنت بدأته معها في تلك الخلوة بعد أن زلزل قلبي، وراحت الأنامل تستمر بالانزلاق على ذلك الشعر الذي تصيّر ابيضاً. بقيتُ أتذكر هياجي في آخر ليلة كنا قضيناها معاً.. كنت في غاية العنف معها.. ليلتها مضت في الاعتراف متحدية غيرتي، ضربتها دون شفقة، فأحسست باليأس تماما، بان تلك القصة ما كان علي أن اضطلع بأحد أدوارها.. اثبتُ فيها فشلا ذريعا، وخاصة؛ في تفويت تلك الإشارة المتعلقة بأظفارها الوحشية، والتي كلفتني قلبا تحطم بل تمزق، وانتهك إلى يوم الدين. دون أن أنسى بان رمزتُ الوحشية؛ لربما وجد الناقد اكثر من صفحة يحلل فيها رؤيته التي ما رأيتها – أنا المؤلف- وقد انتهت تلك القصة إلى الأبد، منذ اللحظة تلك.. وعدلت إلى زمن آخر غير هذا الذي تشاركوني فيه الحكاية التي تروق لكم، عندما التقيت ليلى في حافلة عراقية أخرى، وبعد أربعة عشر عاماً.. قلت لها قد سلم عليك يا (ليلى) أحد مقاتلي الفيلق الثاني.. جاركم أيام بطولات نهر (جاسم )، جاركم المدفون رأساً بلا جثة.. (خطيّة) لا اعتقد بأنك تتذكريه.. كان يحبك من طرف واحد، و من المؤكد بأنك لا تذكيره أبدا..(الجنود منسيون رغم انف الخلود) لان النسيان لا يتجاوز الفوارق، وصار الموت العزرائيلي يجوب بيوت الحي الواحد مرة تلو مرة، فالتقط شقيقك، ولم تعد تهتمين بأمر مصائب الجيرة.. تفاقمت الأفكار بعد أن خرجت الفأرة من كيس الطحين محتجة، تعاني نقصا بمواردها الأولية، وهي ترفع بيرقا ابيض لم يعد هناك شيئا يؤكل، نرجوكم أن ترفعوا أيديكم عن الفضلات التي خصنا بها الربّ.. حجر الفراغ الآسن، يتدحرج باتجاهي من منحدر شاهق .. سريعا، فعلي أن احتاط. (تحية بالود والحب والأمل. كيف صحتك وبراءتك النبيه، لقد اشتقت كثيرا إليك. أكاد اسمع صوتك ويخبرني بمفارقات الهمج والهمجية أكاد اسع النفس الهادر الذي يملأني إصرارا على الحب الكبير داخل عقلي وقلبي إليك والى كل المخلصين كانت ساعة لقائي بك بعد أن اقتربت المواعيد التي بيننا، صرنا معا نتخاطر [بريد باراسايكلوجي] بعيدا عن الأذن الخائفة للفأر المذعور الذي ستناله قططي الشرسة، ولكم أنا سعيد بانتظاري لتلك اللحظات. اتصلت بك أيتها العزيزة اكثر من مرة، ولم أجدك بعيدة عن الأوراق المقتطعة من حلم آت، وقريب. لقد كتبت إليك شعراً يحوي قصائد بحرية تبلّ الزمن، ولا تبلى. قصصا منغمة بألف موعد رائع تصف الحس، وتعصف بالضمير الحي دون أن تأكلها العثة، أو أن تفهمها البغال النافقة. فما زلت اكتب أغنياتي على شجرة آس ناعسة عن الظلال المروعة، والأحلام المباحة.. بعيداً عن الأمنيات القاصرة بهذه الأزمنة المتهرئة، وسترين بأم عينيك الجميلتين كم أنا ممتلئ بالوعود، والاستعداد يجري للقصاص) .. لون لم تعرفه قواميس الألوان، ينتشر اليوم حولنا،ليته لا يكون الوباء. علي أن احتاط !. البكاء يأتيني، ولا ادري سببه. ربما أحس بالجوع، أو بالانهيارات الكبيرة قد حدثت في داخلي. البكاء يأتي كومضة خاطفة. قطرة تسبق الأخرى كأنهما تقفزان مثل ضفادع صغيرة. بأقل من الثانية. وسقطت على الورق الذي أعددته لكتابة شيء يجلجل في رأسي، و يقفز مثل الضفدعة كعملاق كبير احتل عقلي بكامله، وبقي يصد عني بحركته الفوضوية العبثية مرة إلى اليمين، وأخرى إلى اليسار.. لم اكن أحس بطعم النوم، إذ نمت، أهدهده حتى ينام، واشرب، بثقل الحزن العريض الذي أحس به، ما زلت لا ادري سبباً واضحا لبكائي، تعودت أن لا ابكي أمام أحد بعد الثانية والأربعين، ولكني صرت ابكي بصمت مبالغ فيه.. بكائي يعني حريقا من الداخل قد شبّ، لا أقوى على مقاومة ذلك الاندلاع الرهيب، ثمة قوى خارجية أقوى من قوتي الداخلية تبثُّ علي كل ذلك الرعب والفزع، و تحرق لي اعزّ وانشط الأعضاء في داخلي. لكنها لم تقترب أبدا من القلب، تخافه، تخاف أن يموت، وأموت أنا معه، فتخسر تلك القوى الخارجية جثة مواطنا حيويا في استقبال الحزن، ومستجيبا خانعا. يا لتعاستي.. دمعتان سقطتا فوق الأوراق المفتوحة كساحة إعدام،للبراءة.. جملية اكثر الورقة التي لم يكتب عليها. (ربما لانها ستحمل كتابة احلم بها).. قطرتان تحدثان صوتا غريبا كأنه: صوت انتحار جماعي.. وجهه يطلّ علي كالصبح، أظنه خدعة، علي أن احتاط!. لا بد أن أنجز حكايتي لكم بهذه الليلة المتواصلة.. بموجز واحد للأنباء، رغم الليل الطويل الذي يناغيني بألف أغنية اعتقال، كان الليل من ذلك المساء طويلا للغاية. كنت أفزُّ فيه من نوم لا يأتي.. المساءآت السيئة تذهب العقل، مليئة بالانهيارات، و الشيء بالشيء يذكر، كانت تمّر كغفلة هذه اللحظات. الكتابة شيء، التحقيق البوليسي شيء.. الكتابة تترك كاتبها مخنوقا ـ قبل أن يبدا الكتابة ـ والتحقيق يجعل من الشخص أنشوطة حبل مطوحا من اسفل إلى أعلى. الجدران تبصق عليها غائطاً، الحشرات تزاحمها في اللقمة الحقيرة، الشمس تخاصم الأديم المفتح بألف شق وشق.. يصير صاروخا و يعبر بك إلى كل الآلام والمنغصات.. لا تدري من أين تحل عليك المنة، هذه الليلة السرطانية مفعمة بالأمل، و المواويل المليئة بالنواح. حظا سعيدا أيتها الليلة الداجية. كم أنا مفعم بالارتباط بك.. أعطيك فرحا متوجا بالياسمين ومتضمخا بالحناء.. آه كم جميل أنت يا ليل السادس والعشرين ، اعبر بك فاصلا من أوراق حزينة غارقة في لجّ من صمت عميق، كانت، قبل الليلة، لكنها اليوم صارت كرنفالا.. سأكتب فيك فرصتي واعلق زينتي على باب الدار أصافح أصدقائي بـ صراطٍ سعيدٍ أيتها الملايين .. (أني لأحّبُ ربي حبا شديدا، فلو أمر بي إلى النار لما وجدت للنار حرارة مع حبه، ولو أمر بي إلى الجنة لما وجدت للجنة لّذة مع حبه لان حبه هو الغالب ).. هو الذي يخلصني من كل داء ويصيب بالداء من كان جبارا مهيمن.. {اللهم نعوذ بك من فتنة الحصار، و أول انفتاحه. كما نعوذ بك من طمع مؤسسات الاستحواذ على الثروات، المتمسكة بتلابيبنا، كما نعوذ من أية عصبة متسلطة. اللهم لا تجعلنا ألعوبة لعراكهما، ولا لغيرهما انك السميع المستجيب}.. مسكونا بقيت أتأمل فراغا عابرا، كان لا بد لي أن أبوح بها في لحظة ما.. بالغة الحس عميقة المغزى.. كلفتني كثيرا من الخوف، الليل الطويل من حولي يمد جناحيه، و أنا محدودب إلى منضدة صغيرة لا يزيد ارتفاعها عن الأرض مسطرة واحدة ، وعليها شرشف بلون الورد نظيفا، وثمة قنينة بداخلها قطعة صوف مغمسة بالنفط.. فتيلا أوقده كلما انقطعت عني إضاءة (النيون) الوطني.. إلى عمق الورق. عيوني كلها غاصة في لجّ صمت عابر، الأماكن متباعدة. لا ادري من أين ستبدأ الأحداث، وكيف سترتبط. أني أعاني بهذه اللحظة من طول الانتظار.. الليل يحتاج إلى وصف اكثر جرأة، فالكتابة شجاعة، ومقدارها ميزة ما كتب.. (قبل شجاعة الشجعان )، اهو الرأي صورة صادقة لما عليه واقع الحال.. غياهب صفحات الفارغة لا يسدها الكلام، ولا المعدة الفارغة يسدها الكلام الفارغ..(اجدني أجد ما لا اشتهي، واشتهي ما لا أجد وأنا في زمان من جاد ولم يجد، ومن وجد لم يجد ).. قبل أن تضرب (بكبن) ضربتها الأخيرة من نهاية اليوم الذي أكملت فيه الثانية والأربعين من عمري، سألت نفسي ماذا أنجزت بهذه السنوات. كان حرياً بيّ أن احصد ما زرعته، فالحق أن مثلي لابد أن يكون منتظرا زرعه الذي سيحصده.. خلال الأيام القليلة القادمة بالثمرات. {أيضني الخسر}، بعد السنوات.. ضياع قد أحبطني وجعلني ازفر بحرقة بالغة، ضاع من العمر مسافة هائلة {اطلعت على ما توفر مصادفة من كتب في الأدب الإنساني، وحسب. كتب من سبقنا} بالحلم، والتخيل والهندسة التشكيلية.. {أخرجت تقول لنا ما حدث قبل قرن، ولم تقل لنا ما سيحدث غدا} بالغة الجمال، مرهفة الحس، عميقة الدلالة، ولكن أي خباز يعطي خبزه دون نقود؟. رنين الساعة يصل إلى أي بيت في {بعقوبة}، يتخلل الجدران والأرض والسقوف، ساعة قديمة، عرفت كيف تخترق الشعوب، فأقسمت أن لا تفارقها أبدا، حتى وان صارت عبئا على الحكومات، ولن تعطيها صوتها:

- أصبحتم عبأً يا شعب الخيرات على البلدان العظمى:

- انتم عبأ على حكوماتكم الطيبة!.

ألوان متداخلة.. ضلال متسلسلة.. تدرجات ضوئية، متواصلة بتواتر متصاعد.. تتداخل الإذاعات و تكشف مدى الخيبة القاتمة. اضحك من الجمل الإنشائية التي تنسل من بعضها، و الاحتجاجية الأخرى، تكشف عن بعض اللعبة.. تميل مع ميل المائلين، أوتنحرف مع انحراف المنحرفين. ثمة حرب أخرى ستحدث بين مؤسسة استثمار نفط العراق، و الإيرادات الأخرى. لعنة الله على مقرريها، و سينتصر النفط على حامله.. {حاملُ الهوى تعبُ}.. اللحظة تربعت الخطبة السياسية على ورقة القصة التي من المفترض أن تحمل حدثا يسير كما يسير السائرون.. وان تتثبت في إطار زمني محدد، و زاوية سرد، محدداً الزمن الذي حكاياته الزهر في عطر الورد، فلطعم الحكاية التي نويت أن ارويها عبر اسطر مزقها القلق– حربٌ- متوقعة يشنها المذياع عليّ منذ عشرات السنين [بلغة الهولولو] إنهدت كالبرج الذي ضربته الطائرة الملتاثة. - (وراء الهتاف، وفي جزئيات كل ما يحصل من سوء)..





Thursday, August 05, 2004





Tel:07901867651

0770274847

Baquba, IRAQ

Author's Notes/Comments: 

محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: