القمني أكمل مشروعه فتوقف
محمد الأحمد
لا أعجب من (سيد محمود القمني) اليوم إن تنازل عن مشروعه الفكري الكبير من بعد أن صوب احدهم ماسورة مسدس باردة إلى صدغه من بعد ان بلغ من العمر (عتيا)، فهو اليوم قد أكمل خطوطه العريضة منذ كتابه الأول (الأسطورة والتراث)، الذي انهل فيه أدمغتنا بما يمكن أن يتصوره العقل من تسلسل لا أن يتصوره حاسديه، واغلبنا تصور منه الترتيب الحقيقي لأسطره قضايانا الفكرية التي جعلتنا لا نفرق بين السائس والمسيوس، فالكتاب كان كبيرا بعطائه، وغزيرا بعلمه، وفعل فعله الذي لن ينسى أبدا. فهو منذ البدء أعاد قراءة ما فاتنا في الكتب الصفر من تناغمات غير متواصلة، أظنها مررت علينا لأننا نعرف ما فاتنا قبله، وأوضحه (السيد القمني) أستاذ التاريخ الإسلامي وصاحب درس الفلسفة البارز الذي إعطانا خطاها الأولى دروس الحفر المنهجي (اركولوجيا)، وخطونا في التاريخ المسكت عنه، كاشفا لنا بأنه لم يك مسكتا عنه فهذه مصادره هي مصادرنا وكتبه هي الكتب التي إمامنا ذاتها، فلا يمكن تقدم الرقم إلا بتسلسل رياضي، وجاءت الأهداف الحق من كتبه المتواصلة ككتاب )التوراة(، وكتاب (الحزب الهاشمي) الذي وضع أصل النظرية ولبناتها الأول. وأيضا الكتاب التالي الأهم (حروب دولة الرسول ص)، فأعاد علينا بوعي ما كان يلزم فقهائنا من درس مغيب. إن كتبه اليوم قد أكملت نهجها، وان كان صاحبها قد اسلم ببياض كفه إلى مهدديه، كونه أراد أن يعلن بان الدرس لم يكن منه وحده، فقد جاء على (فودة) فقتله وعلى (نصر حامد ابو زيد) وطلق زوجته مما أدى بها تلحق به لتتزوج به من جديد، وصار أيضا الدرس أكثر بلاغة على الأستاذ الأول (طه حسين) صاحب كتاب (الشعر الجاهلي) وبعد الحكم تبدل إلى الأدب الجاهلي وبقيت القراءات السبع منهجا للشك الثابت الراسخ، وفي الفن أيضا عندما لحن مارسيل خليفة قصيدة (إحدى عشر كوكبا)، بمعنى آخر من منا يستطيع أن يخرج من مكتبته الخاصة لأجل يحرق كتاب )طه حسين( أو كتب )فودة( أو (نصر حامد أبو زيد)، أو يحاجج المفكر الرائع (محمد أركون) في (الإسلام ونهوجه)، من منا لم يزد إصرارا على قراءتها مادام يقر بصلاحية محتواها، و(القمني) اليوم إن عدل عن مواصلة مشروعة فهو لم يقل بأنه سوف ينظر عكس ما جاء بها، هو أعلن بأنه توقف استعداده ك(نجيب محفوظ) عن تلق سكينة مسمومة أخرى.. فأستاذ الفلسفة لن يكتب ضمن الدين لينال رضا حزب معين كما يحدث لمن كانوا يدعون الكتابة في حقل الفلسفة، بل الرجل أعلن خوفه فقط، لكن ما قول اللذين اليوم هم يسرحون تحت نير الأحزاب التي تحرم ربطة العنق، فالفلسفة هي لوحدها نتاج مثقف، والمثقف غير السياسي، المثقف لا يسير ضمن خطة تضعها له جهة أجنبية تمول الحزب بالمال وتريد منه التصرف لمصالحها، المثقف يرفض بحرص العارف أن يكون تبعا أو إمعة لأحد، أو لجهة تدعي نهجها الدين وتسير بما تريد، منظرا غفلا لا يدري ماذا من كتابته يجنون، فالسياسي غير المثقف وهو من يصلح للعب (كما أسلف الكاتب) الدور أما المثقف فهو يسير باتجاه واحد لا يبدل نهجه و لا يدجن أبدا. هذا ما أردته قولا للكاتب (عادل عبد الله)، كونه أشار إلى (القمني) ويوجه له اللوم. أقول بان مشروع (القمني) قد اكتمل، فتوقف. ولا ضير إن لم يتوقف فهو شأن مفكرين وليس شأن إعلاميين، وهو من ترك حسنة جارية، وكفانا مالا يمكننا اللحاق به.
السبت، 06 آب، 2005