نوبل للآداب
محمد الأحمد
يتساءل الفرد منا في غمرة المناوشات الصوتية والنظرية، وفي زحمة عالم متحول بجدية إلى كل مقنع نافع، هل يدخل العرب مرة أخرى إلى نوبل الآداب بعد دخولهم عام 1988م بواسطة فارسها المغوار(نجيب محفوظ). فالرجل كان كبيرا بانجازه وبارعا إلى حدّ كبير فيما دونه قلمه البديع، ومازال الرجل لولا المرض معطاءا بغزارة، ومثابرا إلى حدّ الإعجاز، حتى استطاع شق عباب الليل العالمي بهمة لم تتوفر لأديب من أبناء جلدتنا، ليس لكونه كان جريئا جدا فكتب التاريخ الإنساني بحروف ورموز محلية، بل لان أنامله االساحرة لا تقل عن أنامل أي عبقريّ ظهر على هذه البسيطة، فاستحقها عن جدارة، وأكثر، ولأننا كقراء عاشقين لفن الرواية نعرفه معرفة حقه ونعرف إبداعه الجلي الواضح وبعد فوزه بها صارت قناعتنا بان هذه الجائزة كبيرة ومهمة برغم من إننا قد قرأنا قبله لغيره من الفائزين الكبار، وتجددت ثقتنا بأهمية هذا المضمار العريض الحافل بالإبطال الكبار اللذين رفعوا أسماء بلدانهم وصارت لغتهم أيضا تكتسب أهمية واضحة، فالأدباء الكبار بأعمالهم التي استطاعوا اجتياز مواصفات لن يتسنى لأحد عبورها بعمل مهم واحد، أو بشرط إبداعي واحد، وهاهو (محفوظنا) النجيب، نتملاه، ونتمثل مقدراته البارعة، و نقرّ بشرعية الجائزة له، ونقر بشرعيته للجائزة، ليس لعملاقنا وحده، بل للعشرات الفائزين بها من بعده، فالإبداع لا يعرف ضيقا على الإطلاق، فما قرانا من الشعراء أو الروائيين الفائزين، إلا وكان بجدارته مقنعا، وعلى الدوام نسمع من غيرهم التقريع بان الجائزة منحازة لجهة ما، و إنها تدعم تيارا معينا من التيارات المتنازعة بالكلام، فما عاد العنب العالي إلا حامضا كما يقول المثل القديم، فكل عام، ونحن كقراء، نعد على أصابعنا كتاب العربية متوقعين لهذا أو لذاك، ولكن هذا أو ذاك يصمت فترة وحتى تظهر النتائج، ليشن على (نوبل) مخترع الديناميت حربه الكلامية الشعواء، متهما الأكاديمية السويدية بالشعوبية والانتهازية، وصفات أخرى قد لا نعلم بها، كلها لان الجائزة لم تتذكره في هذه العام أو الذي قبله، وكل ظنه بأنه قد وضع إسرارا عظيمة في إعماله الإبداعية ما يناسب ذوق الأكاديمية السويدية، وكأنه لم يكن يكتب إلا على غرار ما يستشفه بنرجسيته من ذوق الأكاديمية، وليس بذوق كل من سار على الدرب وصل، حيث الأعمال العظيمة غير مبررة لديه كونها خرجت من يديه؛ بل وأسقطت، وبقيت اللجان التي تختار للجائزة ضالة طريقها عن أعماله. ويبقى الفرد منا كقارئ يترقب المشهد ومنتظرا الحدث الجلل، فما من جائزة على الأرض تساويها أو بوقعها القيمي والمعنوي، وثمة جوائز كثيرة تنافسها وتفوق مبالغ التكريم بها، من مختلف بقاع العالم واللغات والانتماءات، دون أن تسايرها في أرجاء كوننا. نبقى نتأمل المشهد الفكري الكبير في ساحة التعددية الثقافية، التي تنوعت فيها الأفكار وقد أزاحت الفكرة الجيدة كل فكرة رديئة، وتولدت من الفكرة الجيدة أفكار أخرى متلاحقة و متلاقحة بالنقاش والجدل عبر عالم الاتصالات الجبارة، وتداخلت الإضافات إلى الإضافات فما عاد المعلومة محتكرة لبشر مقصيين أم بشر في عليين، فالكل صار يتوجه العالم عبر صفحات الإنترنيت بحثاً عن اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب في هذا العام، وخاصة من بعد أن أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم يوم الأربعاء الفائت تقاسم الفرنسي (يف شوفان74 عام) والأمريكيين (روبرت جرابس63عام وريتشارد شروك60عام) الفوز بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2005 لعملهم في الكيمياء العضوية. وقيمة الجائزة تبلغ 1.3 مليون دولار، لعملهم في تحسين مجال (الإبدال والإحلال المزدوج)، الذي يتيح إنتاج مستحضرات طبية ومواد كيميائية، ولدائن غير ملوثة للبيئة، من بعد أن ساهمت جهود الباحثين الثلاثة في تحسين عملية (الإبدال والإحلال المزدوج) لذرات الكربون لتصبح أبسط وأكثر فعالية وأقل إضرارا بالبيئة. و ظهرت يوم الجمعة جائزة السلام فاز (محمد البرادعي) مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقالت لجنة نوبل (إنها تمنح الجائزة للوكالة ومديرها المصري لجهودهما في الحد من انتشار الأسلحة النووية). وقد ترددت هذه السنة أيضا أسماء مثل الروائيين الأميركيين( فيليب روث) و(جويس كورال أوتس) والألباني (إسماعيل كاداري), والإسرائيلي (عاموس أوز) والشاعر السويدي (توماس ترانسترومر)، وهناك أيضا فرصا أمام الكاتبين الهولنديين (كيس نوتبوم) و(هوغو كلاوس) والكاتب الصومالي (نور الدين فرح) والشاعر والروائي النيجيري (بن أوكري)، في حين يستحقها أيضا الكاتب التركي (أورهان باموك) الذي اتهم مؤخرا في بلاده بإهانة الهوية التركية بسبب ملاحظاته على مذبحة الأرمن، وكل عام يؤكد سكرتير الجائزة، وقارئ بيانها الختامي من وراء الكواليس (إنغدال) أن على المرشح أن يكون اسمه ورد في القائمة الصغيرة لعامين متتاليين على الأقل ليفوز بالجائزة، مشددا على (عدم وجود أي تأثير للموقع الجغرافي أو جنس الكاتب على التصويت النهائي)، وهكذا يتقدم الأسبوع يوما بعد يوما والأدباء العرب يترقبون المشهد عن كثب، وبعده سوف ينفجر الموقف وسوف تشن الصحافة حملتها مع الجائزة أو ضدها، فبعضها سوف يلوم نوبل وجائزته الكبيرة التي تجعل الفائز بها غنيا جدا إلى بقية عمره من ريع التراجم التي سوف تنهال على كتبه، وسوف لن تهمل دور النشر الكبيرة أي عمل مهما كان منسيا للفائز ما لم تعيد طبعه وهكذا سوف تمطر السماء على الفائز بالدولارات اواليوروات، والأديب العربي يشتم الجائزة من بعد أن أنهكته المشاركات بها دون فوز. كأنه معنياً بالتقريع واللوم، وكان لا طريق سواه إليها. فقدرنا بان يبقى السؤال بيننا ونحن نحترف لغة الضاد، فكلما حاصرتنا اللغة شكوناها بعضنا، وقرعنا بها أنفسنا، دون أن نحل اللثام الذي يعيق رؤيتنا في عالم تنوعت فيه المشاهد، كي نمضي قدما نحو الدرب السالك.