مساحة الثقافة في الصحافة العراقية
محمد الأحمد
Mu29@hotmail.com
عرفتُ بان للزملاء من الادباء الصحافيين، خاصة منهم محرري الصفحات الثقافية، ثلاثة امزجة، او ثلاثة نهوج، متباينةُ المظهر، واحدةُ الجوهر، وان اختلفت فهي تصبّ صبّاً بطيئاً كان اصله من مفهوم القالب المتعنت بافكار بقيت بلا رصيد منطقي قد فرضه النظام السابق، وبقي عقل الصحافي الفاحص مشوشاً لا يعرف الطريق باتجاه خطوته الصحيحة، ووجدت اولهم قد قاسمه رقيب (العهد البائت) معظم مساحة رأسه، ويرفض بتشدد خروجه عن اي نسق سياقي قوماني أو جنساني، وبقي كانه لا يعرف ماذا يحدث في العالم الخارجي من تغييرات، او حسومات، ولا يريد ان ان يعرف كأن نهجه قد صيغ من فكر خالد لا يقبل التبديل، ابداً، ولم يُحَسِّنْ ادواته الفنية كونه لم يفتح بابه لاية ريح تبدل هواء غرفته، لحدِّ هذه اللحظة، فبقي حبيساً لا يميل الى اي تحرر؛ سيبقى ذلك الى بقية مستقبله. ورغم اني اشيد بكل اديبٍ حقيقي موهوباَ بالعطاء، يعطي من الفرصة والنصيحة، يعطي الضوء والمساحة لاية تجربة مصرة على ان تقول قولها، وتضع بصمتها الجديدة في الفكر وفنه العبقري. كما و عرفت ثانيهم ما يزال يكره اي نصّ يتقدم على نصه، كونه يكره اي تمرد على الشكل الأدبي المعهود، فتره يرفض بشدة اي تجديد او تغريب، وخاصة ان كان من يكتب ضمن جنس تخصصه، فهو يريد ان يعزز رؤيته اليتمية، ويفرض ما يفكر به اجبارا، بدليل بان الشاعر المحرر الثقافي لم ينشر طوال فترة عمله في الصحيفة اية قصيدة يفتخر بها. الا تلك التي يريدها تخرج من معطفه (كما خرجت بعض القصص من معطف غوغول)، وشتان بين المثل وبين ثقافة المحرر. واما القسم الثالث يبقى يفتعل الحروب ويفشي النزاعات التي سوف تنتج في نهاية الامر خذلانا للابداع. اذ هو يهاجم تيارا يظنه يشغل بال اغلبية الكتاب، او يهاجم عملا يرى فيه ما لا يراه غيره، ويعمدُهُ تمزيقاً، وتهميشاَ كانه لايستطيع الصعود الا فوق الركام. كون النجاح يغيضه جدا، خاصة عندما يرتفع عاليا باصابع مقتدرة عراقية اصيلة، وتجده يبحث بين كتاب عصره عن من يكتب معه ضد اي نجاح، وغالبا ما يجد من لم يحظ بفرصة نشر حقيقة، لينظم متطوعا يصفه مجندا يتعقب كل من لا يعجبه. ويتحسس بكل احتراف كل يدٍّ فضلى تساعد هذا وذاك من الادباء والمثقفين، كونه صحافيا له من البراعة في اثارة المشاغبات فهو يتمتع بحسّ ما يجعله اقرب الى مشاكل العالمين الذين لا يعنوه، ويعدها مشكلته الفردية الخاصة. يحلم بالاستحواذ على دكة الإبداع العراقية البديعة بكل ما فيها، وكأنه عرابها الاوحد الذي لا يبارى و لا يُمارى. لاجل ان يحورها الى ساحة حرب يفتعلها بوهم، ويجني من وراء اي طرف متنازع. كلّ بقضيته، وكلٍّ بفضيحته، فهذا الانموذج الذي يتكل على الفضيحة التي يفتعلها افتعالا لا مسوغاً له، ليصدر ثقافة الابتزاز، والكدية العلنية والمبطنة. ووجدتني اسرُّ اكثر عندما اجده يفضح جيل كان التيه وجهته، عنوانه الفشل المتواصل بالخيبات. فهل من سامع يؤيد، باننا نحدد امراض النخبة الاولين، ونعطي مثالا جديدا لزماننا الجديد؟.
الاحد، 31 أكتوبر،