عن علي الياسري

تنامُ القصيدة.. فيستيقظ المعنى

قراءة بقلم: محمد الأحمد

يمضي المبدع الحقيقي قدماً في إبداعه، ويحقق على الدوام إضافته المتفردة في خريطة المنجز الشعري العراقي المزدحمة، بعلامات متميزة، وشاخصة ضمن رحابة المنجز الشعري العربي، والعالمي. يمضي بثقة (العارف/ الشاعر) إلى مقاصده العريضة، ويتنفس بملأ رئتيه في كل قصيدة حريته الجديدة، التي غالباً ما تكون ولادة بعد مخاض عسير،(لأجلك اشتريت الشمس/ ثم احترقتُ بها/هل تشترين شيئاً/ من بقايا رمادي- ص26) وغالبا ما يكون قلقاً على إبداعه، حريصاً على متلقيه، و اكثر حرصاً في قصيدة الجديدة حاملة الأحلام، والرؤى… منتظمةُ الخطاب تسير في أوداجه المستفزة على الدوام، كأنها تملك كل الزمام، وبقية القياد، ولا تعطي ناظمها أية فرصة حتى تحطّ في يد متلقيها، ويكون الشاعر في حلّ مؤقت منها.. حتى ينجز القصيدة التي بعدها، ويبقى قلقا حتى يتجاوز ما فاته في ما قصده، وما خطتهُ رؤيته. (القصائد صاحية في نبض الوجدان.. تمتدّ من شباب الشاعر إلى كهولته.. تحمل مشاعره أو تصحبها صعودا وهبوطاً على وفق ما أملاه اختلاف التجارب التي مرّ بها- ص 14) …حيثُ تنام القصيدة، ويبقى بعدها الشاعر قلقاً يتفكر في شكلها، مضمونها، وطريقةُ تلقيها، ألانه تعوّد على جديدها المدهش، وحميميّتها المؤرقة، متسائلاً مع نفسه.. أين كان فيها المعنى ابلغ من غيره، وأين سيستمر بها التفسير، لان الشعر أداة مستمرة التأويل، لن تتوقف عند حدّ معين، وتمضي قدماً إلى اتساعها البليغ.. (خيمتي تصخب الريح فيها ورمل الجزيرة عرس/ للشتاء الذي/ خلفتهُ المواسم في رئة الوطن المستباح- ص68) القصيدة تنام هنا، بين هذه اللحظات أو تلك، لتستيقظ على عالم من العرف الذكية، لتقول القول الكثيف، الصقل، المنحوت من حجر كريم، يتلامع، وربما يضئ.. كلما عرف الشاعر حقيقة هموم شعبه. ونبل قضاياه.. كلما كان معبراً بصوته الرخيم عن صوت شعبه الكريم.. (العصافير أقامت في شفاهي/ حفلة للزقزقة/ ثم ألقت ريشها ما بين كفي ونامت/ في مدار الحدقة  – ص42).

شفرةُ الشاعر المجيد غيرها شفرة الأديب الآخر… فهي كثيفة المحتوى، مليئة بدلالات أخرى، عميقة البعد، غائرة إلى الحدّ الممتنع، مجبرة قارئها على التأويل، والتوقف الطويل عند كل زاوية، وأخرى.. تتنزل كقطرة الزئبق عصية على الإمساك.. تحتاج إلى مران غير عادي للقراءة.. كونها مفتوحة لتأويلات متعددة، تحتاج إلى وسع في الرؤية.. شفرة الشاعر بين الكلمات، وخلفها .. تملأ الكلمات، وتحوطها. والشاعر الذي لا يعطي فرصة الاستدلال إلى شفرته هو عاجز، لن نمحه صفة الشاعر، نستطيع ركنه بين الكلمات التي عجزت التسمية أن تطولها.. (هو لا ينام/ نحو اتساع الأفق هاجر غمضه- ص 141). الشاعر عالي الكثافة، مرهف، مختصر.. أوفر حظا من غيره في احتلال مساحة الإيضاح، لهُ أكبر المقاصد.. لهُ أوسع الخطوات فيجري خلف سفن طائرة، ويحلق تحت أطراس مقوسة. (رأيت أمي و أدمعها/ وطفلاً خائفا حذراً/ تدنيه ليدفعها/ هو الباكي و اعرفهُ- ص132). الشعرُ فعلٌ كينوني.. يرسم الحياة بلون زاه للعين، وتفرزه من بين آلاف الألوان المتدرجة، لتثبت نيرة بحيوية وجود راسخ … هي (قصائد تفعيلة.. لكن الشاعر- في عدد منها - الزم نفسه بالتفعيلة، غير انه لم يلزمها بنظامها المعهود في القصيدة كلها حيث جمع بين تفعيلات مختلفة الفت – في نظره –انسياباً خاصاً لم يكن ناشزاً، بل هو يضيف جرساً نغمياً ظنه يفضي إلى فضاء أوسع في حرية التعبير وفي تنوع الإيقاع مما يقربه إلى نمط القصيدة الحديثة-ص 15)…  كتابُ (نائمة أنت الآن) أضاف الكثير، واستحق مني – كقارئ التأشير بأجمل تحية اعتراف.

‏الاثنين‏، 26‏ كانون الأول‏، 2005

Author's Notes/Comments: 

mu29@hotmail.com محمد الأحمد  


View alahmed's Full Portfolio
tags: