الإعلام الجديد



الإعلام الجديد

محمد الأحمد

mu29@hotmail.com

يمكننا أن نقول في زماننا العراقي الجديد هذا بأننا رأينا صحفاً عديدة، تنوعت جهات ومؤسسات إصدارها، محلية أو عربيةَ كانت على حد سواء؛ ولم نر في أغلبها إلا صحيفة واحدة اختلف اسمها، وورقها، واسم رئيس تحريرها وبقية كادره، وان اختلفت الأسماء والهويات، فإننا نكاد نجزم كأنها واحدة، من حيث التقليد والتقيّد وكأن هذه أو تلك الصحيفة إن لم تشبه شقيقتها شبها لا لبس فيه فإنها لن تكن صحيفة فلها من التكرار والرتابة ذاتها، من حيث مصدر الخبر (خاصة الخبر العالمي)، ولن نستثن منها الخبر المحلي إلا التي أوفدت من كادرها إلى مصدر الخبر أحد منها، واخصّ كوادر الصفحات الأخيرة منها بالتحديد حيث ليس لها سوى صور الفاتنات الشهيرات مما أكثر مما لدى غيرها، وكان الصحف الورقية تحاول نسيان الفضائيات التي تملا فضائنا بالإخبار والمنوعات في الآن والأوان، كأنها تواصل تهميش وتسطيح عقله ضمن مجال واحد، فما من جهة إعلامية بريئة، مهما حاولت الإنكار، أو ادعاء غير ذلك. والأغرب بمثل هكذا موضوع كأن القارئ المسكين قد فاته ما فاته وعلى هذه الصحيفة التي تأخرت عن تلك الإخبار في هذا اليوم، فإنها لن تتوانى عن تقديمه بصور كبيرة، ملونة، في اليوم التالي، وان حاكت بخطابها الحواس والغرائز، أو خاطبت بنفس ما، وازع معين فلن تخلو من فبركة إخبارية، محاولة منها أن تجذب القارئ إلى استراحة، ومن الغريب إننا كلما قرأنا وجدناها بعيدة عن أول أبجديات علم الأعلام في الخطاب المرسل والمرسل إليه، الذي يراعي اجتماعيا ثقافة وحدود الصنو الذي يقرأ في الصفحة الأخيرة، فكلنا أبناء آدم نميل إلى ما نميل ساعة الفراغ، ومن المفترض بأننا لن نلوم من يجعلنا نقبل عليها، وساعة الجد نتفرع إلى أبواب المعرفة الأخرى، فنقرا عمودا هنا فيه توازنا مناسبا مع ما نريد قوله، أو لمن نختلف معه في الرأي، ونمسك القلم لنرد عليه من اجل التلاقح الموضوعي لفكرنا- بالأفكار التي توسع بها ذهننا، فالكاتب مهما يكن اقتداره فهو سوف يكشف عن صدره الجريح ومما يتألم، وقد يكون محرر الأخيرة في حرج ما من تلك أو هذه الكتابة، فانه سوف يحذف من هنا أو من هناك كلمة أو مقطعا لغرض أن يخفف عن نفسه السؤال المستقبلي بان قد نشر العمود وهو يحمل غيمة ما قد أمطرت فوق جهة ما ولم تمطر فوق غيرها، والحق أقول بان أخبار الأعلام متشابهة، باستثناء الأعمدة والتحليلات، ولأننا سوف لن نلوم من يخط خطا في التعددية الثقافية، ليس ظنا منا بأنه يغرد خارج السرب العراقي الجميل، ولكن في زمن الفوضى نعرف بأنه من الممكن أن يمرر خطابه الباهت غير المنتمى إلى مجتمعنا العراقي المحافظ على انفتاح معقول، حيث هذه النافذة قد تطل على زمن غير زماننا، فأكثرية من يريد أن يمسك خطايا معينة على هذا أو ذاك فانه يتمكن منه في غاية اليسر، كونه زمن ترهل في انتظار الدستور القويم، وخاصة دستور كدستور العراق الذي سوف يلقى أكثر من معاند ليس لسبب هو يريده، ولكن لان مصلحة ما تسير أمره، فتأتيه الممانعة من نظام آخر قد يخاف من استقرار دستوري ينطلق إلى دول الجوار بعطره، وأناقته. ويكون رجل الإعلام يُحرج الوزير الذي تقصر وزارته كون التقصير أرهق مواطنيه، وكليهما مطلوب منهما أن يشيرا بشجاعة إلى التقصير الذي يخفف عن كاهل المواطن، فالإعلام في دويلاتنا كان في الأصل محدود الأسئلة، ومحدود الطموح. وسوف تعتب الفوضى من مسيرتها إذ يكشف عنها القناع، ويكون المواطن قد جدد ثقته بسلطته حتى يستقر زمن الدستور، وسوف تنتظم كل تلك المترهلات، وسوف يتحمل كل منا عواقب عمله من حسنات أو هنات، فكلنا نريد الألوان البهيجة، ونريد ما يجعلنا نجرّ نفسا جديدا نتفوق فيه من زحمة المرارة التي يقاسيها مواطنونا من جراء ما يحدث فوق أديمهم، وداخل عقلهم، وعمق أرضهم. مؤكدين بأننا لا نلوم أو نحسد لأجل مزيدٍ من البيع، ومزيدٍ من الفراغ، وما ذكرت يتوزع كالماء إلى ما بين الشقوق، كون الفضاء يعجُّ بقنواته العجيبة، والقريبة، فصارت لكل مختص ما يطمح، تجذبه إليها دون أن تدعه يذهب إلى غيرها، تعطيه ما يريد وتأخذ منه ما تريد، فهل سيأتي اليوم الذي تكون فيه الصحف أسرع بإخبارها من الفضائيات، (كما اليوم السيف اصدق إنباء من الكتب) أم إن العصر قد تغير إلى ما لا يمكن أن يعود، والعقل تفتح إلى غير ما تعود أن يقيد، فرحم الله (ميشيل فوكو) عندما قال قولا لا يمكنني نسيانه: بان السياسي يستطيع أن يقيد الناس بسلاسل أقوى من الحديد، ولكن عن طريق أفكارهم أنفسهم.



‏الأربعاء‏، 31‏ آب‏، 2005


View alahmed's Full Portfolio
tags: