الرمز في الشعر العربي.
في البدء كانت اللغة والشاعر وبيئته المتواضعة... وجاء شعر الشاعر ابن بيئته وظروفه فطريا في استرساله، صادقا في مقاله وعاطفته بما يلبي غرض القائل، وظروف المقال.
وكانت اللغة في منبعها تروي حاجة الناس، وتشفي غليل الشعراء، ثم بدأت التغيرات البيئية، والعقائدية والفكرية تطرأ... وعرف الناس أمور كثيرة جدا لم يعرفوها... وباعتبار اللغة العربية لغة أمة ولغة عقيدة، ولغة مقدسة فقد منحها القرآن الكريم ما أثراها فوق تراثها من أغراض جديدة وقوالب لفظية وبدأت مدلولات الكلام تتطور لتعني أمورا أخرى بالاضافة لما كانت تعنيه.. وشيئا فشيئا ساد المدلول الجديد وشاع.
وباتساع رقعة الدولة، ودخول الآلاف المؤلفة في الحضارة الجديدة كانت اللغة قد استجابت لهذا التطور ضمن أصولها وقواعدها الأصلية وساعد في تطور المدلولات حركة الترجمة والتأليف وظهور ما سمي لاحقا بالمولدين من الشعراء وكذلك اتقان الأعاجم للغة وبراعتهم فيها ثم قول شعرا عربيا.
وهكذا في العصور اللاحقة ولكننا نذكر ثلاث مراحل اسهمت بشكل ملفت للنظر ومعروف في الماضي أثرت في هذا التطور وهي الفترة الاسلامية الأولى أثناء تلقي القرآن، ثم مرحلة الدولة العباسية وخصوصا الأولى والثانية وبدايات الثالثة أثناء ظهور حركة التألف والترجمة، وظهور الأدب الصوفي كما سمي لاحقا والمرحلة الأخرى هي الفترة الأندلسية دون حصر.
أما في العصر الحديث فقد أسهم أدباء المهجر والشعراء منهم باثراء هذا الأمر، فظهر أخيرا حاصل سمي بالرمز كناتج للتطور المتتابع عبر القرون...
وكأي أمر ظهرت هناك أمور جانبية لتشوه رأي الناس في الرمز وهي الإنحراف فيه والمبالغة في استعماله والاكثار منه حتى صارت الكلمة تحمل أكثر من مدلول لا يفهم القارئ أيهما يقصد القائل.
إنما المحبب والمرغوب، هو استعمال الرمز حسب ما يحتمل الموضوع أو الغرض وحسب ما اصطلح عليه من دلالة الرمز الجديد، فإن تطورت المعاني والمصطلحات فإن لكل رمز دلالته التي تدل على غيره ولا يدل إلا عليها.