PostPoems Be Artistic. Be Creative. Be Inspired!

.

الارواح جند المحبة إذا تآلفت تجمعت، وإذا تخالفت افترقت، يجمعها الحب ولا يفرقها إلا فراقها للحب.

أما إذا ضرب الراحلون في الأرض، وتجمعت قلوب لم تأتلف بعد وتلاقت أنفس لم تتفق بعد، ولم يجمعها إلا غربتها وفراقها لأحبتها فهي غربة في الأهل والناس وغربة في المكان.

الغربة انفراد المركب في عرض بحر هائج بين مراكب لا يعرفها ولم يجمعه بها إلا قسوة الحياة وغضبة البحر وقسوة الإعصار وقوته فإن زالت الأسباب، وتآلفت النفوس، ذهبت الغربة ووحشتها مع زبد الماء... وإن بقي الشك والخوف والوحدة، ولا أليف ولا أنيس، فإن الغربة غربتان، غربة في الأرض والمكان والأهل والأحبة، وهي نار يسعرها الانتظار الدائم والترقب لأوان العودة، وقودها النفوس المشتاقة، والذكريات المتواردة المتتالية على الروح والقلب تحفظها متوقدة متأججة.

أما الغربة الأقسى فهي غربة في الوطن والأهل والأحبة، ترى الشاعر فيها كأنه ناسك، وإن خالط الناس وعاشرهم، وحيد في فكره وتفكيره، إن حدث في غير ما يؤمن أرضى الناس وما يرضي، وأن حدث فيما يؤمن رضي وما أرضى إلا القليل، فلا هو يقنع بالقليل، ولا الناس ترى ما يرى أو تدرك ما يدرك.

وبين الغربتين وانفرادهما أو اشتراكهما، جحيم من الشك والحيرة ونار مشتعلة وجروح قائمة مؤلمة، وأنة حزن لا تختفي في صوت الشاعر وحديثه ورعشة في قلمه.

أما أثرها في الشعر فملحوظ ومعلوم بالأشواق للأمكنة والأزمنة الماضية وللأحبة، ترى النار في اللفظ وتورها في المعنى... والحروف مصطفة متناغمة، اللغة متقنة سلسة يتناولها الشاعر ويشكلها ويحدث بما يريد كأنه يغرف من بحر.

أما غربة الشاعر في أهله وفكره، فخفية وراء كل حرف، وخلف كل كلمة... أقواله قوية رصينة، حادة ناقدة لها رنين كرنين السيف وانسياب كانسياب الخمر من إنائها لقدحها.

لغته موسيقاها قوية الايقاع، رصينة التراكيب،عذبة الألفاظ من غير ابتذال لصاغة تميل إلى سلامة أقل وصلابة أكثر يضع الشاعر أحزانه وآهاته وفكره بأسلوبه المتفرد المنفرد، ويكثر من اللاذع في قوله، ويقول الحقيقة المؤلمة بطريقة تظهر آلام جليا، ولا يأبه بعدها هل تقبل الحقيقة أم لا، إنما همه أن يقول ويرتاح.

ومدى تقبل الحقيقة، وتقبل شعر الشاعر المغترب يعتمد على صدقه وعفويته، وشرف أفكاره وصلابة رأيه، ويلعب أسلوبه دورا في الدخول إلى العقول والقلوب، فالشعر وسيلة الشاعر للراحة وايصال ما يريد قوله للناس حتى يؤمنوا به وإن كان تفرد فكره سبب إحساسه بالغربة.