بين الشعر والفروسية.
الفروسية تعايش الانسان مع قسوة الأرض، ونمط للحياة عليها جنبا إلى جنب مع الطبيعة القاسية والظروف الصعبة.
الفروسية ميدان يمتحن فيه من يقدر على الحياة ممن لا يقدر... والشعراء أقدر الناس على الحياة.
الشعر فروسية الشاعر.
والشاعر فارس قبل أن يأتي من بين الفرسان شعراء.
الشاعر فارس بصبره وجلده، وعناده على الحق وفيه، يرى الأمر أحيانا كثيرة من درب لا ينظر فيه الناس، وإن أخطأ حينا فهو خطأ الانسان الخارج من العصمة.
والشاعر فارس بوفاءه الأبدي الدائم... فهو فارس عاشق يحب من أحبه ولا يغدر من غدره، ولا يعرف كيف يطعن من الخلف أبدا... دائما في المقدمة وجها لوجه، فإن شقي الشعراء يوما، فلأنهم لا يدارون في حق، ولا يبتعدون عن المقدمة.
المقدمة في كل شيء، الحب والأخلاق، يريدون فرس السبق في كل درب وفي كل ميدان.
والشاعر فارس بنقاء نفسه، لا يعرف الحقد لمن يحقد عليه لأنه يعرف أن لا أحد يستحق أن يكرهه أو يحقد عليه، فهو بعزة نفسه يرفعها عن هذه الأمور ويعرض عن الجاهلين، وإن اشتد في أمر فإنما هو ضرب على يد معتد أثيم، إنما إذا جرح الشاعر أو أصيبت كرامته، فهو الانسان فقط، كريم ما قضت الأخلاق أن يكون كريما، يرد الكيد بكيد ما اقتضت الأمور كيدا.
والشاعر فارس بأخلاقه، وإذا كان أصحاب مكارم الأخلاق في أرض فهو أحدهم، خلوق في جده وحزمه، له قانون إذا سنه سار عليه حتى يموت، وهو في خلق في هزله وطربه، له عادات لا يخالفها، متى جلس إلى صديق وطرب، لا يخالف ما اعتاد منه ذاك الصديق ولا يفرض عليه ما لا يحب.
وإن كان الصديق في وقت الضيق فإن الشاعر صديق في الضيق وفي الفرج والإنسان وإن أقل من الأصدقاء فإنما هو يصادق من ترتاح له نفسه ويطمئن له قلبه، وطالما رافق قوما ثم مضى عنهم، إما لأنه لم يجدهم فرسانا يعرفون قدر فروسيته أو لأن نفسه لم توافق أو تأتلف لأن الأرواح جنود مجندة.
والشاعر فارس في لغته وقصائده وشعره.
لا يرضى بأول آت، إنما يرضى بأجمل وارد، يطرب لما يطرب ولا يتغنى بما يصلح فقط، إنما فوق ذاك هو دائم الامساك بعنان جواده، دائم الترحال في فكره وخياله بحثا عن الجمال، متقنا لغته، يصونها ويحرص على جمالها وخلودها.
هو فارس، إذا قال قولا فهو مما يليق بالفرسان، قصيده فيه عبق الصحراء الممتدة وروعة الجنان وعطرها البهي، ورقتها.
لغته فروسية، وقصيده فروسية بأخلاق الفرسان... يأنف مما يأنف منه الفرسان، ويبتعد عن ما لا يليق به أو ما يخجل منه.
إنما هناك بعض من قال الشعر وخرج عن درب الفرسان، فهم إن أجدوا وجدوا أسرفوا وتمادوا وإن غضبوا جهلوا وأقذعوا في الرد، فمنهم من عاد إلى صوابه والتزم أخلاق الفرسان، ومنهم من بقي في غيه أو بعد ذاك العصر آتى عصر وتبعته عصور، وما كان يقذع فيه صرنا ندفع فيه بالتي هي أحسن لنصلح من أمره، ويبقى هدفنا نحن الشعراء الفرسان هو ايصال رسالة الشعر والفروسية من يأتي ومن هو حاضر.