حاجتي للشعر، حاجتي للكتابة؟!
النار سر الانسان الأول، والغموض الأول في درب حياته.
والشعر ترنيمته الأولى، غنت بها أم لوليدها وهي تهدهده.
لا يصهر الحديد إلا النار، ولا يصير الذهب حليا إلا بالنار.
ولا يصهر الكلمات سحرا يسمع ويرى ويقال إلا الشعر.
وما بين الشعر والنار أجيال من الغموض والسحر والأسرار، والجمال والنار.
نار تجعل الرمل والصخر زجاجا وبلورا، وشعر من نار تصهر القلوب والأرواح كلمات تنام ظمأى على السطور الجافة ولكن إذا كانت النار يطفئها الماء، السر الأول والأبدي للحياة، فإن الشعر بعض وقوده وزاده ماء يسيل من العيون والقلوب والنفوس.
الدمع الذي يسيل يريح... والدمع الذي تكابر به القلوب الجريحة فتخنقه العيون الكريمة يقتل ولا يبقي.
الكلام راحة القائل على الورق.
الشاعر عندما يقول شعرا إنما يحاول البحث عن صدر حنون يبكي عليه.
وقدر الشاعر أن يطيل البحث طويلا... وفي رحلة البحث المضنية يرتاح الشاعر على السطور.
المجد لشاعرين...
شاعر وجد الصدر الذي يرتاح عليه فأقل الشعر وأجاده، ثم استراح، وشاعر أطال رحلته وطالت به، فلا هو استراح، ولا وجد الصدر الذي يبكي عليه، فهو إما أن تحرقه النار وإما أن يصهر بها روحه وقلبه وعاطفته، كلما عتا به الشوق أو استبد به الحنين.
حاجة الشعراء للشعر هي الحاجة للبكاء، إنما بكاء الشاعر غير البكاء بالدمع، إنه تسبيح بالجمال من الجمال، وشهادة للإبداع بالإبداع، وكلمة حق تقال في الحق وإن اغوت الغاوين.
عندما أقول شعرا، أكون في حاجة للبكاء، ولكني بعد أن أتم قولي وأعيد قوله أشعر أنني صرت في حاجتي أكثر، وأرى نفسي الطائر الذي أتى الماء يكاد يموت ظمأ، فشرب وشرب، ثم طار فإذا به أكثر ظمأ.
فإذا كان قدر الناس أن يستريحوا بالبكاء طويلاإ فإن قدر الشاعر أن لا يستريح طويل
وكما أن الناس تبكي فرحا وحزنا، فإن الشاعر يبكي فرحا وحزنا، وسروره فهو يفرح ويجهد نفسه في أن يفرح الناس معه.