مزيدا من الوعي والتنوير ..
بقلم / عبد الله عبد اللطيف المحامي
أعلم مقدما إنني أتناول قضية شائكة ، تمثل حقل ألغام ، ولكن كان لابد من طرح الأمور في نصابها ، دعونا نؤكد أولا علي بديهية مؤداها أن الوعي بحقيقة الأمر هو الخطوة الأولي والصحيحة للفهم ، ومن ثم إمكانية البحث عن حلول حقيقية لما يواجهنا من مشكلات علي كافة المستويات .
ألاحظ إختلاطا ولبسا شديدا في المفاهيم يسود بيننا ، حيث يعاني مجتمعنا من تسلط بعض التيارات السلفية – ذات السطوة والصوت العالي – تؤثر ولا شك في فرض مفاهيم مغلوطة حول قضايا الوعي والتنوير وضرورة إعمال العقل وذلك كله لحساب الإعتماد علي النقل وكفي .
يقدمون لنا العلمانية علي أنها فكرة مستوردة ودخيلة علي ، وأنها دين جديد ، تعني الكفر بالله وبالإسلام وبالأديان ، تدعو إلي الفساد الأخلاقي إلي آخر تلك المزاعم ، وكأن الشعار القديم قد تحول من قف أنت شيوعي إلي قف أنت علماني ، وقد إستقر في أذهان العامة من الناس أن العلمانية مرادف للكفر والإلحاد والإنحلال الخلقي ، هنا .. من يستطيع أن يغامر ويقول أنا علماني وسط هذا الزيف والتضليل ، حتي أنه بات من المعتاد أن تسئل هل أنت مسلم أو علماني ؟ !!
والعلمانية قدر ما أعتقد ليست كفرا ولا زندقة ولا عمالة لأعداء الإسلام .. أنها وفق تصوري منهج علمي أخلاقي يتعامل مع مجتمع حر يعتمد علي العلم ولا يغفل إعمال العقل ويدعو إلي تنمية التفكير النقدي ، وكذا القبول بالآخر ، ويناهض التسلط والإستبداد بالرأي والإزدواجية في المعايير والتفكير ، ويضع للدين دوره كعلاقة بين الإنسان وخالقه ، تدعمه كقوة روحية ، ويكفل حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر الدينية ، ويدعم الحقوق المدنية والسياسية للجميع علي قدم المساواه ، إعتمادا علي فكرة المواطنة ، بحيث يصبح كل المواطنين سواء أمام القانون بصرف النظر عن الدين واللون والجنس .... الخ
والعلمانية علي هذا النحو .. ليست دينا جديدا .. وليست كفرا أو إنحلالا .. ولا تناهض الدين .. بل هي آلية لإدارة شئون المجتمع .. ما الضرر في الدعوة إليها والتمسك بها لمصلحة الفرد والمجتمع ؟
إن الخطاب الديني السلفي الذي يواجه أي محاولة عاقلة للتفكير بسلاح التكفير يصل بنا إلي نقطة خطيرة وفاصلة في رسم مستقبل هذه الأمة .. فالرأي لا يواجه إلا بالرأي .. ويشهد الواقع بكثرة الفتاوي الصادرة من مرجعيات سلفية بتكفير كثيرين من المبدعين والكتاب والمثقفين وأصحاب الرأي .. ويكفي أن تصدر مثل هذه الفتوي حتي تتكفل ميلشيا الإرهاب المسلح بتنفيذها في أي زمان ومكان ، وأكثر من ذلك يقولون أن تنفيذ الفتوي بإهدار دم الضحية تصبح فرض عين متاح لأي فرد أن ينفذها وجزاؤه الجنة !!!!!!!
هل هذا مناخ صالح لأن نطلق للمفكرين والمثقفين والمبدعين العنان لتنمية الفكر والتقدم بالرأي لرسم مستقبل جديد لهذه الأمة ؟ !!
وهذا يصل بنا إلي قضية خطيرة لابد من طرحها ومواجهتها هل نسعي لإقامة دولة مدنية تعتمد علي المواطنة أم دولة دينية تعتمد علي الطائفية والمذهبية ؟
وقد تكون الحسنة الوحيدة لقانون الأحزاب الحالي في مصر أن رفض إقامة الأحزاب علي أساس ديني .. فاليوم يقوم حزب إسلامي وغدا حزبا مسيحيا .. وهلم جرا .. وكلنا يعلم أن دور الأحزاب سياسيا وليس دينيا تسعي إلي إستلام الحكم بالطريق الديمقراطي لتطبيق برامجها في النواحي السياسية والإقتصادية والتنمية .... الخ وليس دورها دعوة دينية أيا كان أساسها .
وإذا أصبحت الدولة الدينية .. كيف نعارض الحاكم وهو الذي يحكم – من منظوره بما أنزل الله – هنا لن تكون معارضتنا لسياسة وقرارات الحاكم ليست إلا – من منظوره أيضا – معارضة لحكم الله ، ومن ثم سيظهر ثانية سلاح التكفير والإتهام بالزندقة والكفر والردة ومؤكد العمالة لأعداء الدين ........الخ
نعم هو الفراغ ... وإفتقادنا لمشروع وهدف وحلم قومي نلتف حوله .. نعم هو اليأس والإحباط الذي يسوق شبابنا إلي هذه الدعوات السلفية .. هو الفشل والعجز في الدنيا فيقولون نشتري آخرتنا .. الأمر جد خطير ويحتاج وقفة ومواجهة بالتمسك بنشر وتنمية الوعي والتحريض علي قضايا التنوير ، هل من مصلحتنا اليوم أن ننشغل بما طرحته علينا مؤخرا كاتبة من أنه إذا وقعت ذبابة في الطعام نغمسها ونأكل ... وتؤكد لنا بذلك بحديث .. وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة الحديث .. وبعيدا عن رأينا في الموضوع .. هل من المنطق أن ننشغل بقضية وقوع الذباب في الطعام ونأكله أم لا .. نغمسها في الطعام أم لا ... أنا شخصيا أصابتني حالة من القرف بمجرد قراءتي هذا الكلام .. ألم أقل لكم هو الفراغ ... ...
_____
* عبد الله عبد اللطيف المحامي عضو المكتب التنفيذي ومجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان elmohamy20@hotmail.com