علي هامش إعتقال الكاتب عبدالكريم نبيل سليمان
شرعية إعلان وإستمرار حالة الطواريء في مصر
عبدالله عبداللطيف المحامي *
تم إعتقال الكاتب عبدالكريم نبيل سليمان بمعرفة السلطات المصرية بسبب أرائه وأفكاره وتعبيره عن رأيه ، وتم هذا الإعتقال بصورة غير قانونية ، لأنه تم وفقا لقانون الطواريء المعمول به في مصر حتي أنه أصبح القانون العادي ، فقد حرم هذا القانون المواطن المصري من قانونه العادي ومن قاضيه الطبيعي ، وقد تم إحتجاز الكاتب عبدالكريم نبيل سليمان في مكان غير معلوم لذويه أو لمحاميه ، لم يتم تعريفه بالتهمة التي تم القبض عليه بسببها ، لم يتحقق له الإتصال بمحاميه أو بمن يري الإستعانة به في ظروف إحتجازه ، ومن ثم فإن كل هذه الإنتهاكات تخالف تعهدات الحكومة المصرية الدولية التي إلتزمت بها ، وربما تكون حياة الكاتب المعتقل في خطر .
هذا كله يدعونا إلي التساؤل عن شرعية إعلان وإستمرار حالة الطواريء في مصر ؟
بالرجوع إلي أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في ديسمبر 1966 والنافذ في مارس 1976 والساري في مصر كتشريع وطني وفق نص المادة 151 من الدستور المصري بعد تصديق الحكومة المصرية عليه ونشره بالجريدة الرسمية ، تناولت المادة الرابعة من العهد حالات إعلان الطواريء بشكل إستثنائي حال توفر ظروف إستثنائية تتهدد حياة الأمة ، ومن ثم أوجبت المادة الفقرة الأولي من المادة الرابعة أن تعلن الدولة رسميا إعلان حالة الطواريء ، بل وإشترطت الفقرة الثالثة من ذات المادة بأن تقوم الدولة بإعلام الدول الأطراف الأخري في العهد عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة بأسباب إعلان حالة الطواريء وتاريخ إعلانها وتاريخ إنتهائها .
وقد ضمنت أحكام العهد الدولي بإلتزام الدولة التي تعلن حالة الطواريء بإحترام الحقوق الواردة به ، فنصت المادة الرابعة من هذا العهد علي نوعين من الحقوق المدنية والسياسية :
النوع الأول :
وهو ما نصت عليه أحكام العهد في الفقرة الثانية من المادة الرابعة بعدم جواز مخالفة أحكام المواد 6 – 7 – 8 ( الفقرتين 1،2 ) – 11 – 15 – 16 – 18 ، وبالرجوع الي نصوص هذه المواد نجد المادة السادسة تتعلق بالحق في الحياه ، والمادة السابعة بشأن التحرر من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة ، والمادة الثامنة خاصة بالتحرر من العبودية والرق ، والمادة الحادية عشر تنص علي عدم جواز سجن أي انسان لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي ، والمادة الخامسة عشر تحظر تطبيق القانون الجنائي بأثر رجعي ، والمادة السادسة عشر تكفل الحق في الشخصية القانونية ، والمادة الثامنة عشر تكفل حرية الدين والفكر والوجدان .
هذا هو النوع الأول من الحقوق الغير قابلة للتصرف أو المساس بها من قبل سلطات الدولة تجاه مواطنيها حتي مع إعلان حالة الطواريء فالدولة تظل مقيدة وملتزمة بهذه الإلتزامات حتي لو أعلنت حالة الطواري بل أن النظام الدولي يتجه نحو التوسع في شأن هذه الحقوق .
النوع الثاني :
أباحت أحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للدولة حال إعلانها حالة الطواريء عدم التقيد ببعض أحكام العهد ولكن شريطة أن يكون عدم التقيد هنا وفق تعبير نص الفقرة الأولي من المادة الرابعة من العهد أن يكون ذلك في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع ، وتشمل طائفة الحقوق هذه حرية التنقل والسفر ( م 21 ) وحرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات (م 17 ) وحرية التعبير والرأي ( م 19 ) وحرية التجمع السلمي ( م 21 ) وحرية تكوين الجمعيات وإنشاء النقابات ( م 22 ) والحق في المشاركة في الشئون العامة ( م 25 ) .
والمعروف أن حالة الطواريء بطبيعتها حالة إستثنائية تفرض لظروف إستثنائية ومؤقتة وليست ممتدة لنحو ربع قرن من الزمان في مصر ، وقد إستقرت آلية المعاهدات الدولية علي عدة مباديء قضائية تقول بالتناسب بين تدابير الطواريء والخطر الذي يتهدد الأمة وتتمثل هذه المباديء فيما يلي :
- يجب أن تهدف التدابير الإستثنائية إلي تخفيض أو إنهاء الأوضاع الخطرة التي تتهدد حياة الأمة والتي كانت سببا لفرض حالة الطواريء .
- يجب أن يثبت أن الإجراءات العادية وفقا لأحكام القانون العادي والطبيعي لا تستطيع معالجة حالة الخطر الذي يتهدد الأمة .
- أن تطبق تدابير الطواريء في أضيق نطاق وبأقل تأثير علي حقوق الإنسان .
- وكل ذلك في إطار عدم ممارسة هذه التدابير الإستثنائية بشكل تمييزي بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو الأصل الإجتماعي .
ومكذا تتضح الصورة تماما
فأين هي مشروعية إعلان حالة الطواريء في مصر ؟
وما هو الخطر الذي يتهدد الأمة ؟
إن إعتقال كاتب بسبب إبدائه لرأيه والتعبير عن أفكاره وإحتجازه في مكان غير معلوم وعدم الإعلان عن مكان حبسه والفصل بينه وبين محاميه وذويه وهل يعامل معاملة تحفظ له آدميته وإنسانيته من عدمه وهل يتعرض لتعذيب أو معاملة قاسية من عدمه .. إن حياته الآن تكاد تكون في خطر .. كل ذلك مخالف لتعهدات الحكومة المصرية لمشروعية إعلان حالة الطواريء .
ولتستمر المطالبة بإلغاء حالة الطواريء في مصر
ولتستمر المطالبة بإطلاق سراح الكاتب عبدالكريم نبيل سليمان وكافة المعتقلين بسبب أرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم .
ولتستمر المطالبة بإلتزام الحكومة المصرية وإحترام كافة التعهدات الدولية وكفالة وتعزيز الحريات وحقوق الإنسان في مصر .
-------
• عضو المكتب التنفيذي ومجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان .
• Elmohamy20@hotmail.com