قصة قصيرة
عدالة
في ليلة صيفيّة هادئة والقمر يعكس أشعته الفضيّة على صفحة الماء في سحر أخّاذ ،
وجنيّات وادي عبقر خرجن من خدورهن ليوحين للشعراء الغناء ، ثم يعدن أبكاراً مع شقشقة الصباح ،
وظلال متلاحمة في العتمة وشوشاتها صلاة تقسم على سرمد العهد ،
وذكور الضفادع لا تملّ استجداء إناثها القرب في نقيق لا ينقطع ،
والنسيم يمارس الغواية كرسول ضالّ حاملاً أشفّ آيات العبق لحواس اختزلت بشميم الطيب .
في هكذا ليلة بالذات اخترت أن أناديه بعالي الصوت.
قلت لا عذر لديه يمنعه أن يسمعني..
لا خليلة ولا ولد
لا عمل ولا نوم
لا عواصف ولا غيوم
أو بأقل تقدير لا يستخفّ بعقلي ما دام به كرّمني .. وبجميل القول يحاورني.
وقفت على أعلى درجات السلّم الخشبيّ وصرخت : أين عدلك ؟!
وظللت أصرخ وأصرخ حتى استحالت عيناي سحابتين من مطر و أصابني دوار ففقدت توازني ووقعت.. أنا والسلم تكسّرت.
استيقظت المدينة على صياحي والكبير ما ردّ.
وراحوا يتوافدون من سكرات منامهم .. ناقمين على مفسد اللذات و مقلقل الراحات ، المجنون المهووس الذي لا يراعي حرمة ولا دين حتى مع ربّ العالمين.
كان أيوب يرمقني بصمت من علاه ويذكرني بقومه الذين استنكروا تجديفه على الكبير ، فعوضه الله عن بلائه وعنهم خير. . لأنه بقلبه الخبير البصير.
ثم شاهدته يرمق غاضباً أصحاب العمامات السوداء و البيضاء وأهل التيجان والصلبان الذين أجمعوا على تركي مع كسوري ليقيّموا مصيري.
قال قائل منهم:
ذلك مصير من يرجم السماء وينفي عنها العدالة بلا حياء.. أن يسقط من العلياء.
قلت و أنا أغالب آلامي:
بالأمس سقطت جارتنا عن سطح المنزل وهي تنشر الغسيل في ليلة عاصفة.
رد آخر: يا للغباء ويا لسوء التدبير.
قلت في عناد وتحدّ:
كذلك سقط رجل دين متعثراً بحجر فيما يعاين تفاصيل جسد أنثوي تحت عباءة لا تبين حتى وجهها.
زمجر ثالث:
امتحان من ربّ العالمين.
- والطفل الذي سقط بحفرة؟!
- من حفر حفرة لإخيه وقع فيها.
لكلّ سقطة عندهم سبب واستحقاق إلا سقطة أهل الورع فهي ابتلاء.
طلبت من الممرضة إبرة الرحمة.. فحسبت أني أريدها لأنهي آلامي وما درت أن الأسئلة وحوش في دماغي لا تشبعها أجوبة من عشب.
لم تستجب لطلبي بدافع إنساني وضمير وجداني.. لا أفهمه.. ما دمت أنا من أطالب به لإنهاء حياتي المسحوقة بأفكار و أقدار و دولار.
ثم تمتمت وأنا تحت تأثير إبرة المخدّر:
إن كنت قد نلت جزائي يا عادل .. ما ذنب السلّم؟!