نكتار
ما أخفّ هذه الروح و ما أشفّها ، و ما أظلم هذا الجسد الثقيل كيف طاق حبسها.
أسألها بشغف عن معنى اسمها ، بعد أن يصلني إحساس بأن رتاج الصمت سينزلق قليلاً ليسمح لعصافيرها و فراشاتها بالرفيف ما بيننا ولزهور وجهها الذابلة بالتفتح من جديد و لسيالة روحها أن تسقسق كنبع بعد غيض.
تبتسم و تجيب بنشوة :
شراب الآلهة.. سمّاني إياه أبي السكران دوماً بالأساطير التي يراها الحقيقة المغيّبة بأوهام البشر.. لدرجة أنهم ترجموا اسمي على أنه العصير كي لا يكفروا كما يتصورون.
"يا سلام - أهتف من كل قلبي -
ما أجمل معناه و أي موسيقا تنساب من حروفه الخمس كأنها أوتار".
تصل محبتي غير المدّعية لهذه الروح الخفيفة كريشة فتنفرد أساريرها كأنها الغريب الذي وجد وطنا يلمّه.
تضحك وهي تقول :
"مالك و مريضة نفسية مثلي.. أنهى أمرها و بتّ فيه الأطباء بإجماعهم على أن ما بها هو الفصام.
كل تصرفاتي جعلتهم يغلقون أي باب موارب يسمح بولوج تشخيص مغاير.
وابتدت رحلة العذاب .. بتناول حبوب مهدئة ، الامتناع عنها يعني نوبات هستيرية تفضي للجنون أو الانتحار".
لكل ظلّ حقيقة
لكلّ مظهر جذور
و نكتار وفق انطباع مبدأي ضحية من ضحايا البشرية التي زاد الطين بلة أنها عربية.
"كيف كانت طفولتك يا نكتار"
تسرح بعيداً و أشعر بروحها كأنها تلاشت تماماً و يصبح صوتها قيثارة بوح :
"كان أبي إلهي الجميل و كانت حكاياته معبدي.
هل يُرضع الأب أطفاله؟!
أجل لقد فعل..
أستغرب كيف تعامى عن الشر و قد شرب جرعاته المرّة أينما حل و ارتحل. فأرضعني كل جميل من الخير و الحق و السمو. فظننت أن الدنيا فضاءات مفتوحة لجناحيّ الذين تحول زغبهما لريش"
ابتدات الكآبة تعاودها و هي تبتلع ريقها و غصتها :
"ثم ابتدأت رحلة قصقصة الأجنحة وبناء الجدران..
لأجد نفسي حبيسة نفسي
و الإحباط تحول لصراخ و تكسير لا يشبهاني
من منا الحقيقية يا أستاذة.. أنا أم أنا.
روحي الشفيفة ام نفسي الساخطة"
أضم نكتار كأم.. و انا أمسح دمعها المقهور مع إحساس كبير بعجزي.. و أقول لها :
لا جواب لدي سوى أن روحك تليق بمتحف لا بمزبلة"
و نغادر لتنتقي لي غلافاً لروايتي ثم نشرب معا رحيق الآلهة.
10/7/2019