ق. ق. ج
خارج السياق
ما زال اللغط سارياً فيما إذا كانت العربة قد أفلتت الحصان أم الحصان أفلت العربة!
و انقسم الناس إلى فريقين لا يكفّان عن الجدل ودعم رأييهما بالبراهين و الحجج و دحض الرأي الآخر.
الفريق الأول يرى أن الحصان هو الفاعل لأنه ذو روح و كائن حيّ مقارنة بالعربة الجامدة.
فمن المؤكد إنه قد ضاق ذرعاً من أن يكون حمّال أثقال البشر دون حقّ مشروع سوى الاستناد على نصّ شرعي أن أمثاله خُلق للخدمة و السخرة لا أكثر.
ثم يعودون لمراجعهم العلمية التي تؤكد أن الخيليات ظهرت قبل الإنسان بحقب كامل وكانت لها حياتها الحرّة قبل أن يعتليها القادم الجديد .. يلجم أفواهها و يسرج ظهورها ويعتني بحوافرها التي تتآكل من ثقل حمولتها ليس تكرّماً بل لمآربه الخاصة . واذا ما تباطأت ساطها بلا رحمة يستحثها على المضي قدماً.. و بمنتهى الصفاقة يمنّ عليها بقطع السكّر ليهبها النشاط الذي يكرّمه بطلاً في حلبات السباق.
ثمّ بلحظة شيطانية سئم أن يجرّ العربة و حمولتها.. فأفلت و أفلتها ليرتاح و يريحها.
الفريق الثاني يحاول أن ينفخ الروح بالجماد حين يعيد خشب العربة لأصولها كشجرة.
هكذا ربّ الأرض الأعلى يقرر أن هذه الشجرة او تلك لم تعد تثمر فتحتطب و تتحول لألواح خشبية لأغراض شتّى.
لم يسمع النجار مرة كيف كانت تئن و تصرخ والمسامير تنغرز بجسدها و المطرقة تهوي عليها
ثم تعرّض للكهرباء لتنعيم سطوحها وكل ما تناله ابتسامة رضى منه في أحسن الأحوال.
العربة تبدو بلا قيمة بدون حصان يجرّها و الكل ينظر لها على أنها بلا إحساس وكيف لأذن بشرية أن تسمع أنين الخشب او ترأف به يتلظى و يتشقق تحت عين الشمس او يتشبع بالمطر و يفسد.
إذاً لقد آن الأوان ان تفلت حصانها المسكين وتترك الحوذيّ في حيص بيص وهو يراها قد تحطّمت في انفلاتها و اصطدامها بجدار و تبعثرت حمولتها بينما الحصان يجري خفيفاً نحو سهوب لا تحدّ .. حوذيّ مسكين ينتظر بضاعته تاجر لن يرحمه أو يجد له تبريراً.
قصة قصيرة يمكننا ان نعيدها ببساطة لنقطة البدء.. بجعل الحصان والعربة وكل الكون خلق لخدمة إنسان متسلّق صدّق أنه خليفة الله على الأرض و يحلم ان ينقل جبروته بعد دمار الأرض إلى المريخ.