أوراق سافرة
كانت الأرض لزجة زلِقة فوقعت و انكسرت ساقها.
جاء تأنيبها لنفسها أسرع من الآآآآخ التي تناهت لمسمع أطفالها فتحلقوا يبكون ويستنجدون بمن يحملها للطبيب.
"ليتني بهذه اللحظة بالذات تركت الهاتف يرنّ طالما علقانة بالشطف و التنظيف.. فحتماً لن تخرب الدنيا لو أني تباطأت أو حتى لم أردّ".
ثم بدأ موشح النصائح الطويل من الأهل و الأصدقاء المقربين.. لحال أصبح لا يطاق من الإهمال و عدم التركيز.. وكل واحد من الناصحين كان قد انكسر يوماً بسبب ما.
تناهى الخبر لإحداهن التي تبثّ جندها لالتقاط أخبار المكسورة أولاً بأوّل .. فبكت من الفرح وهي ترفع يديها نحو السماء :
" دخيل اسمه الله.. المنتقم الجبّار.. يمهل ولا يهمل.
إن للباطل جولة.. و الظالم سيرتد ظلمه نحو نحره ولو بعد حين .. إن لكم في القصاص حياة ". وكأنها تنتظر لحظة تشفّ لسرد الأقوال الداعمة التي تنتصر لها من عدوتها.
الطبيب الذي حملوا له المكسورة.. اصطنع التجهّم بينما يهلّل فرحاً في أعماقه ويحدث نفسه :
"أخيرا كُسر عظم في هذه المدينة التي تحوّل سكانها فجأة لجبهة صمود و تصدّ، و قوّة ممانعة ضدّ الكسور. "
الحقيقة هو لم يكن أكثر من "شعت" بسيط لا يستاهل كل هذه الطنّة والرنّة.. لكنه تعمّد المبالغة ليحصل على ما قسم الله له من رزق بعد انقطاع.
الجيران أظهروا تعاطفاً مبالغاً به وتبادل كلمات مثل " يا حرام و خطي و ما بتستاهل".. بينما شياطينهم البريئة تتهامس.. أن سنرتاح من طقطقة كعبها العالي على الطالع والنازل لفترة.
الأولاد متعلّقون بأمهم جداً ولكن هذا لا يعني أنهم لم يرتاحوا من ملاحقتها لهم للدراسة و الواجبات المنزلية.. وفضّ الخلافات بينهم.. فالآن صوتها وحده الفعّال والصوت ليس عصاً على كل حال.
الخادمة التي كانت تأتي لمساعدتها مرة بالأسبوع أصبحت من أهل البيت.. و صارت أيام الكسر لربة البيت جبران خاطر لها.. وفرصة لا تأت على رجليها كلّ مرّة.
للقصة تفاصيل صغيرة أخرى تتعلق بالزوج نتركها احتراماً للعشرة.
إن لكم في الكسور عبرة.. لا مسّكم كسر.