"1"
الحاجة أمّ الاختراع، و قد صارت حاجتي ملحّة للتخلّص من ثرثراتي، ولو انتهكت المحرّمات و سلكت الدروب الملتوية.
هداني تفكيري و تمحيصي لتطبيق طريقة المكافحة الحيوية.. فرحت أصوّب نحو كلّ فكرة فكرةً مضادّة ..
لكنّ أفكاري لم تكن حشراتٍ ضارة ونافعة.. ففي كلّ مرّة كانت تظهر فكرة جديدة عبر التضاد والاختلاف و أزداد تورّطاً.
أما فكرة البئر والثرثرة في فوهته فطبعاً كانت فكرة غبية بجدارة لأن الماء حافظ رهيب للذبذبات والتراب ناقل ممتاز لها.. وسيفضحني هسيس السنابل يوماً و طيب الورود.
فكرت بحرقها، فقادت لي الصدفة المقصودة من يخبرني اكتشاف العلماء لحقيقة أن الرماد المطمور يعود للتوهّج بعد قرون فسدّ هذا الخبر باباً جديداً للخلاص.
أخيراً صحت كأرخميدس : "وجدتها.. وجدتها"
وبدون أيّ تأجيل.. أفرغت وسادتي من قطنها و بدأت أحشوها بالكلمات..
أراكم تضحكون و تستسهلون الأمر كعادة المتفرّج الواقف على الشط و الناس غرقى..
ما علينا.. اضحكوا.. اضحكوا فالدنيا للضاحكين..
كان أمامي مهمة شبه مستحيلة ..
أن أجمع كل ما قلت و كتبت عبر خمسين عاماً..
ان أقتصّ من الأثير صوتي و أنزع عن الحيطان ومقاعد الدراسة طفولة خربشاتي..
ان أهكّر الصفحات الأدبية لأسرقني منها..
ان أسترد أنفاسي التي وزعتها بالمجان ..
أن.. و أن..
لأحشو وسادتي بها.. و أنام ملء جفوني بعد سنين الأرق..
يتبع...